هذا النّص هو تفريغ مترجم لتدخّل الدكتور مراد دهينة عضو أمانة حركة رشاد ضمن البرنامج الأسبوعي “معاً رشاد” حيث ردّ فيه على نشر وكالة الأنباء الجزائرية لمقال أحمد بن سعادة الذين عنونه: خطاب حركة رشاد يُطبّق المبادئ الخمسة للدعاية الحربية. إلقاء الدكتور مراد دهينة | ترجمة البروفيسور عبّاس عروة.
مرّة أخرى وكالة الأنباء الجزائرية، وكالة الرداءة، وكالة الدعاية للعصابة، تخرج علينا بترهات، في محاولة بائسة على المستوى الإعلامي، بنشر نصّ، واكتشاف جديد لمحلّل أصبح مهمًا بالنسبة للنظام الجزائري. وقد سبق لنا الحديث عنه ألا وهو أحمد بن سعادة. ونوضّح مرّة أخرى أننا لمّا نتحدّث عن شخص فإننا نقوم بذلك مع احترام إنسانيته. كانت لي فرصة الحديث عنه.
من حقّنا الردّ ليس بخصوص أفكاره وكتاباته فهذا من حقّه المطلق. وقد كان لي تبادل معه ولم تكن له النزاهة لنشر رسالة بعثتها إليه عبر موقعه على الانترنت. وقد قال إنه تأثّر بأزمة التسعينيات، حيث فقد أخًا له في اشتباك حين كان يقوم بواجب الخدمة الوطنية، وحينها بعثتُ له رسالة قلتُ له فيها أنه على هذا المستوى، له الحقّ مثل كلّ الجزائريين وأهالي الضحايا في التعاطف وأننا نتفهّم ألمه. ومن البديهي أنّ مثل هذه الجرائم يجب التعامل معها، مثل ما هو عليه الحال لكلّ الجزائريين، ثمّة 250 ألف راحوا ضحية هذه الحرب التي سياقها معروف ولا أرغب في العودة إلى سردية ما حدث في التسعينيات.
الإشكال مع بن سعادة هو أنه أصبح، ورضي بدور الداعم للعصابة. وهو يقوم بتغيير التكتيك والموضوع وانتقل من المجال المفضّل لديه، فمنذ زمن قريب كان تهجّم على بوشاشي، عدّي وغيرهما، واصفًا إياهم بالعمالة لوكالات أمريكية تهدف إلى إحداث تغيير للأنظمة، أي نعتهم بالخيانة. كما تخيّل أنه جاء بأدلّة، هي أصلًا معروفة ومتواجدة في المجال العمومي، كحضور أحدهم مؤتمرًا، وكون منظمة أو اثنتين، منظمة نصيرة ديتور SOS Disparus و RAJ تلقيتا دعمًا ماليًا يقدّر ببضعة آلاف الدولارات، 10 أو 20 ألف، وهي معطيات منشورة تعود إلى ما قبل عشر سنوات، والآن هو يقوم باختصارات واستقراءات لا تصمد أمام الحقائق. سأتحدّث عن هذا الجانب قبل أن أعود إلى اكتشافه الجديد.
بن سعادة يحاول أن يشرح لنا أنّ الحراك، وهو يميّز بين الحراك الذي أسقط بوتفليقة، أي الحراك الذي قبل به القايد صالح، وهو بانسبة له حراك جيّد لأنه يتوافق مع الجهة التي يميل إليها في الجزائر، لكنه يقول أنه ما جاء بعد ذلك ليس حراكًا وهذا بالضبط ما يردده زميله بلحيمر، لمّا يقول أن ما جاء بعد ذلك هو حراك منحرف، وكان يتحدّث عن طابو وبوشاشي وبومالة وغيرهم، معتبرًا إياهم عملاء للأمريكان. وكان يتحدّث عن الثورات الملوّنة.
في ما يخصّ المضمون، ثمّة من ردّ على أطروحته، وقد صدر كتاب “دفاعًا عن الحراك” يردّ نقطة بنقطة بشكل منهجي علمي، سأضع رابط الكتاب. إنه كتاب صادر عن دار “الهڤّار” (hoggar.org)، ستجدونه على هذا الموقع ويمكن تنزيله مجّانًا، وهو يضمّ مجموعة من الأوراق التي تبرهن أن أطروحات بن سعادة المختلّة. اكتشف بن سعادة منذ بضع سنوات مع انطلاق الربيع العربي، أقول بضع سنوات لأننا في رشاد قمنا بدراسة هذه المسألة منذ سنوات طويلة أثناء قيام الثورات الملوّنة في نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، في سربيا مع هجمات الحلف الأطلسي على سلوبودان ميلوسيفيتش في سربيا، ولادة ونموّ حركة أوتبور بأوجهها المعروفة مثل سيرجيا بوبوفيتش، والتواجد في الميدان لضباط سابقين أمريكان مثل روبرت هلفي الذين ساعدوهم، واستفادوا أيضًا من كتابات منظرين للثورات اللاعنفية مثل جين شارب.
جين شارب كتب الكثير عن الثورات اللاعنفية منذ العصور الغابرة، مثلًا في الهند، فهو مؤلّف، وفي رشاد اطلعنا على كلّ هذه المنشورات كما قرأنا لماركس وللجميع. فلا يمكن أن يُقال لأحد: أنت عميل البلشفية لأنك قرأت لماركس، أو أنت عميل للأمريكان لأنك قرأت لجين شارب، أو أنت سلفي-وهابي لأنك قرأت لابن تيمية. لا، لنكن أكثر جدّية. نحن ندعو الناس إلى التثقّف والقراءة وفهم الأشياء.
ما الذي حدث في حقيقة الأمر. كانت هناك ثورات ملوّنة بالفعل. وكان هناك تدخّل خارجي في إطار أجندة أمريكية، والأمر تكرّر في بلدان أخرى: أذربيجان، قيرغيزستان، جورجيا وغيرها، بنفس طريقة العمل. لكن في قراءة بن سعادة التي هي قراءة سيئة يتجاهل عناصر أساسية بخصوص هذه الثورات. أوّلًا، كانت من زاوية معيّنة تخدم مصالح الولايات المتحدة، والهدف ليس إنكار مشروعية مطالب الشعوب، أنما ملاحظة أنّ أهداف الثورات كانت تتوافق مع المصالح الأمريكية. ثانيًا، جرت هذه الثورات في سياقات انتخابية، وهذه نقطة هامة. انتخابات حاولت الأنظمة تزويرها، ثم تنزل الجماهير إلى الشوارع رافضة لنتائج الانتخابات المزوّرة وتفرض ثورة لها لونها ورموزها مثل قبضة اليد المرفوعة، إذن هي طرق متشابهة في الثورات الملوّنة، لكن استعمال مثل هذه الطرق لا يعني بالضرورة العمالة للولايات المتحدة أو لقوّة أخرى.
ثمّ هناك مسألة الإمكانيات الضخمة المتوفّرة. ففي سربيا هناك العديد من المصادر الموثوقة التي تتحدّث عن مبالغ مالية وضعتها الـNED التي يتحدّث عنها بن سعادة باستحقاق وUSAID تحت تصرّف الثورات تُقدّر بملايين الدولارات، وذلك أثناء قيام الثورات. نحن لا نتحدّث عن مستوى الدعم الذي تحصّلت عليه RAJ أو جمعية ديتور، أو تذكرة الطيران التي استفاد منها بوشاشي، كلّ ذلك قبل 2011، أي مبالغ تُقدّر بـ 10 أو 20 ألف دولار. أن مثل هذا الادعاء يُعتبر إهانة لبلد مثل الجزائر وحتى للنظام نفسه الذي يدافع عنه بن سعادة، لأنه إذا كان بهذه السهولة إسقاط النظام بتنظيم ندوة لبوشاشي أو منح 10 أو 20 ألف دولار لديتور أو لـ RAJ فهذا أمر مقلق بالنسبة لبلد يمكن تهديده بهذا الشكل. إذن المبالغ تختلف تمامًا عن المبالغ التي وُفّرت للثورات الملوّنة. ثمّ كانت ثمّة أهداف سياسية واضحة.
لكن بالنسبة لنا الوضع مختلف تمامًا، وحتى بالنسبة لثورات الربيع العربي. لم تكن هناك انتخابات جارية. انطلقت الثورات عقب تذمّر شعبي عام وعارم. لا يمكن إثبات أنّ موارد مالية ضخمة وضعت تحت تصرّف المنتفضين. أعرف أنّ بن سعادة قد اكتشف أن أحمد ماهر وغيره من حركة “6 أبريل” في مصر شاركوا في ندوة، لكن ماذا يعني ذلك؟ كم كان عددهم؟ 10 أو 20؟ هل يكفي لإسقاط نظام مبارك؟ ننظم ندوة لـ 10 أشخاص، ثم انتهى الأمر؟ إذا كان الأمر كذلك فمثل هذه الأنظمة لا تستحقّ البقاء.
وأهم نقطة في هذه القضية هي أنّ قيام ثورة ملوّنة أم محالة تغيير النظام تقتضي وجود مصلحة واضحة للولايات المتحدة من وراء هذا التغيير. وفي الواقع كلّ محلّل موضوعي بمقاربة منهجية يرى بشكل لا يترك أيّ مجال للشك، أنه في ما يتعلّق بالثورات العربية، وبالحراك الجزائري خاصة، الإدارة الأمريكية تفضّل النظام القائم في الجزائر منذ عهد بوتفليقة وإلى يومنا هذا، إنها تدعمه وتتناغم معه في المجال الأمني وبخصوص الوصول إلى مصادر الطاقة وبشأن الـ AFRICOM، على كلّ المستويات. فلماذا إذن تعمل الولايات المتحدة على إزالة مثل هذا النظام الذي يمكن اعتباره تابعًا لها، وأنا هنا أزن كلماتي.
إذن هذه الأطروحة لا يمكنها الصمود أمام الحقائق، وقد تمّ تفكيكها بطريقة علمية في كتاب “دفاعًا عن الحراك” الذي أدعوكم لقراءته، والذي لا يمكن لدار “الهڤّار” تسويقه في الجزائر لأنّ النظام سيقوم بمنعه، في حين يحظى بن سعاد بحملة إشهار ضخمة في جريدة “المجاهد” ووكالة الأنباء الجزائرية والتلفزيون العمومي رغم اختلال الأطروحة التي يروّج لها.
أمرٌ آخر هو أنّ بن سعادة له مشكل وهو الذي يقدّم نفسه كفيزيائي علمي. المنهجية العلمية تقتضي أنه لمّا نطرح مقولة أو فرضية، وهذا أمر مشروع، نبحث عن عناصر تدعم الفرضية (قياسات، مؤشرات، أرقام، بيانات)، وفي نفس الوقت نتساءل ما إذا كانت الفرضية قابلة للتفنيد. هذا هو المنهج العلمي. أزعم مثلًا أنني لا أدفع هذه الشاحنة فستتجه في هذا الاتجاه، بناء على قانون فيزيائي، وأنا أخاطبه كفيزيائي، لكن يجب أن أتساءل ما إذا كانت ثمّة شيء يبرهن على العكس. وأحاول القيام بكل هذا التحليل. بن سعادة لا يقوم بذلك. فهو يقول “هؤلاء عملاء” وبناءً عليه سأبحث بكلّ ما في وسعي للعثور لدعم هذه المقولة. وهذا ينبثق عن قياس منطقي بائس. فلان التقى بعلّان منذ عشر سنوات، وعلّان يعرف ترتان، إذن فعلّان متورّط مع ترتان. بكلّ بساطة.
ما هي الخرجة الأخيرة لبن سعادة، التي تداولتها وكالة الأنباء الجزائرية. وكالة الأنباء التي تابعنا الكوارث التي قامت بها، والصفعات التي تلقّتها من الأمم المتحدة، وتلقّتها أيضًا الدولة الجزائرية، لما قامت وكالة الأنباء بنشر الأكاذيب في سبتمبر 2020 لمّا زعموا أنّ الأمم المتحدة رفضت شكوى ضد الجزائر من طرف هيئة لا وجود لها، وقامت الأمم المتحدة بردّ مدمّر لوكالة الأنباء وللدولة الجزائرية لكون الوكالة هيئة رسمية.
يبدو أن بن سعادة تفطّن إلى أنّ أطروحة “الثورات الملوّنة” و”تغيير النظام” من طرف الأمريكان، لم تعد مقبولة ولا تصمد أمام الحقائق. “رشاد تتبع الولايات المتحدة!” لتكونوا أكثر جدية. فلتبحثوا عن شيء آخر أكثر صلابة. أدعو بن سعادة إلى النظر بعين العلمي العناصر الكبرى التي تبيّن أنّ هذا الأمر ليس على أجندة الولايات المتحدة لأسباب موضوعية ومتماسكة.
الآن قيل له أن هذه الأطروحة غير ناجعة ويجب مهاجمة رشاد. فبماذا خرج علينا؟ بالنسبة إليه الآن وبالنسبة لوكالة الرداءة، وكالة دعاية المخابرات، ها هو يشرّح خطاب المنظمة الإسلاموية رشاد. يجب دائمًا التركيز على صفة الإسلاموية، هذه هي طريقة الجنرال مجاهد، وطريقة المخابرات، وطريقة وكالة الأنباء الجزائرية، وطريقة بلحيمر: يجب مهاجمة رشاد، ولمهاجمتها يجب دائمًا القول بأنها إسلاموية، لأنه كلّما كرّرنا ذلك كلّما زادت مخاوف أسيادنا في الخارج ممّا سيدفعهم إلى القيام بشيء ضدّ رشاد. إنّ هذا لن يحدث. ثمّة فارق بين الخطاب الثابت والمتناسق لرشاد وبين غبائكم، وبين عدم كفاءتكم. أنظروا ما تقوله عنكم الأمم المتحدة. أنظروا ما يقوله عنكم العقلاء. لن تتحقّق رغبتكم. إنكم تتمادون في خطاب أجوف.
ماذا يقول لنا بن سعادة؟ يقول أنّ رشاد تتعتّم على التاريخ وتشيطن الخصم وتحتكر المناظرة وتمنعها. بن سعاد أنا قلتُ لك سابقًا أني مستعدّ للنقاش معك، وأنا دائمًا على استعداد. وأنا لا أبحث عن ذلك. إنّ هدفي ليس إقحام الآخر وعرض المعارف، لكن إذا كانت هناك مصلحة فلا مانع من ذلك. لأني أكنّ الاحترام للجميع بما في ذلك بن سعادة كإنسان، وقد أشرت في بداية حديثي عن التعاطف الذي أكنّه للإنسان، فقد عاش أشياء رهيبة في أسرته. أعلم ذلك. لكن على المستوى السياسي، على مستوى دعم هذه العصابة بهذا الشكل الرديء، لا يمكن قبول ذلك من شخص يقدّم نفسه على أنه مثقّف وباحث. إنها ليست حجج مقبولة.
يروي لنا بن سعاد كلّ شيء وأيّ شيء. مثلًا أنه اكتشف، وهذا هو الخطاب السافل لبعض أعوان النظام وهذه العصابة، أنّ رشاد الإسلاموية تنتمي إلى تنظيم يسعى إلى إقامة الخلافة، الإرهابية طبعًا، يُسمّى الأمة. فما هي قصّة الأمة؟ ما هي الوقائع؟ عضو من رشاد، وهو محمد العربي زيتوت، شارك مرة أو مرتين في تركيا في ندوة عامة، لم تكن في لا أدري أي جبل، من تنظيم منتدى يسمّى الأمة يضمّ أعضاء من بينهم حاكم المطيري وهو مواطن كويتي أسّس حزب الأمة في بلده وهو معارض للنظام الكويتي ولا يقكن حاليًا في الكويت، أظنه الآن في تركيا، يوصف بالإسلاموي، وكانت الندوة عبارة عن نقاش عام مفتوح للجميع يمكن العثور عليه. ونحن لا نخفي هذا الأمر. نشارك في ندوات ونقاشات عامة مع أشخاص من كل الاتجاهات. لماذا إذن التركيز على ندوة أو ندوتين بعينها شارك فيها زيتوت في إطار النقاش مع الجميع. لقد تحادثنا مع علمانيين في العالم العربي وغير العربي ومع أشخاص على نقيض من يُنعتون بالإسلامويين، لمناقشة قضايا مختلفة، منها ما هو سياسي، وتدارس الوضع في العالم العربي بكلّ شفافية، لأننا نؤمن بالحوار.
الآن إذا أخرجتم لنا أنّ المطيري قال مرة شيئًا ما، ويجب التحقق من ذلك ومن السياق الذي قيل فيه، فما يلزمنا بما يقوله المطيري. نحن نلتزم بخطابنا، وبرنامجنا نقدّمه وهو مكتوب ومتوفّر للجميع. إذن لما لا يجد مثل هذا الشخص المتعصّب دلائل أو قرائن تدعم مقولاتهم، يفسّر ذلك بأنّ الإسلاميين يمارسون التقية، أي يخفون نواياهم الحقيقية. هنا ندخل في المجال اللاعقلاني. وكلّ ما بإمكاننا فعله هو تجاهل مثل هذه الهجمات، وهذا ما نفعله. لأننا نتكلّم بطريقة عقلانية يمكن قياسها والتحقق منها. أمّا إذا قمنا بمثل هذه الاختصارات، وهنا أتوجّه إلى بن سعادة، من قبيل رشاد شاركت في ندوة مع شخص تحدّث، حسب قول بن سعادة، عن الخلافة، ففي رشاد لم نتحدّث أبدًا عن مسألة الخلافة، مع الإشارة إلى أنّه أيّ شخص له الحق في الحديث عن هذه المسألة. أنا أقبل المشاركة في نقاش فكري عن مسألة الخلافة وشكلها في عصرنا: هل تأخذ شكل منظمة لدول الجنوب، أو أساسًا الدول الإسلامية للتعاون السياسي والاقتصادي، ككتلة في النظام العالمي الجديد؟ لماذا لا؟ طبعًا لا يمكنني الحديث على خلافة القرن السابع في القرن الواحد والعشرين. لماذا لا يمكن النقاش؟ لماذا تعتبرون الناس ككائنات سفلية لا حقّ لهم في النقاش. لماذا يمكنني الحديث عن صراع الطبقات وعن البلشفية وعن الثورة وعن الدولية الاشتراكية إلى غير ذلك، وهي نقاشات شيّقة، ولا يمكنني الحديث عن مواضيع أخرى؟ وهنا نتحدّث عن نقاشات فكرية. تفضّلوا مرحبًا بكم. بإمكانكم تفكيك هذه الأفكار وتبيين أنها غير صالحة ولعلّكم تنجحون في محاججتكم، برؤيتكم الخاصة.
نحن لا نرفض النقاش، لا نرفض مواجهة الأفكار. لكن الطرق التي تعتمد على التقليل من شأن الآخر، والتكرار المستمر لاستعمال عبارة “منظمة إسلاموية” يصبح مع الوقت أمرًا مملًا. إنّ حججكم واهية. رشاد تعمل في الشفافية، ولا تفرض على أحد رؤيتها، مع أننا أنّ الكثير من الحراكييين يشاركوننا التصوّر. أفكارنا متواجدة في المجال العمومي نقدّمها بشكل واضح ونرفض بشكل قاطع ومطلق التدخّل الأجنبي ولا نحتاج إلى دروس نتلقّاها من بن سعاد أو غيره في هذا الشأن، من قبيل احذروا من الـ NED. ومرّة أخرى إذا اتبعنا منطق بن سعادة: زيتوت شارك في ندوة نظمها منتدى الأمة وذُكرت الخلافة الإسلامية، إذن زيتوت…هذا أمرٌ لا يستقيم.
يمكنني أنا أيضًا القيام باستنتاج مماثل. لا أقوم بهذا الاستنتاج لكني أوّضح أنه بمقدوري أيضًا القيام به. لو أدخل إلى موقع المركز الفرنسي للأبحاث والاستخبارات الذي يقوم بالأبحاث في مجال الاستخبارات والأمن إلى غير ذلك، والذي يديره Eric Denécé الذي يقول بوضوح أنه يقدّم استشارات لمصالح الاستخبارات الفرنسية وأنه قام بمهامّ ميدانية بما في ذلك في العالم العربي في سياق الثورات العربية وأنه ذهب إلى الميدان لفهم ما يحدث هناك، وأنه قام بمهامّ في كمبوديا إلى جانب المقاومة المضادة للشيوعية وفي بورما لحماية مصالح توتال ضد حرب العصابات المحلية، كما ذهب إلى المغرب وكافة الدول العربية ومنها سوريا ويقوم بالتدريس وأسّس مركزًا لتقديم الاستشارة لهيئات رسمية فرنسية مثل وزارة الدفاع. لا نقوم بالحكم على هذا المركز، فمن الطبيعي أن توجد هناك مراكز أبحاث من هذا النوع لها أجنداتها الخاصة. وليس من صلاحيتي الحكم عليها في بلدانها. لكن إذا استعملت أساليب بن سعادة، فإني أجد أن بن سعادة يتعامل مع هذا المركز. فإذا لجأت إلى الاختصار والاستنتاج، هل سأقول أنّ بن سعاد يتعامل مع مركز يشتغل مع المخابرات الفرنسية، إذن بن سعادة عميل للمخابرات الفرنسية؟ إذا استعمل أسلوب بن سعادة فنعم سأقوم بمثل هذا الاستنتاج. لكنني لا أفعل ذلك، مع أني، حتى أكون أمينًا، أعتبر هذا الأمر مثيرًا للتساؤل. نحن على حافة المعقول. لكني أترك مع ذلك مجالًا للتفسير، فقد يكون ذهب للمركز للمشاركة في ندوة، غير أنه مذكورٌ على موقع المركز كأحد أعضائه، ولبن سعادة علاقات أخرى.
لماذا أذكر هذه الأمور؟ ليس الغرض هو تدمير بن سعادة أو استعمال أسلوبه لأقول إنه خائن وعميل للاستخبارات الفرنسية. لا أبدًا، أنا لا أقوم بمثل هذه الاتهامات. أودّ فقط لفت انتباهه، لأني أعتبر أنه دائمًا يوجد شيء من الإنسانية لدى البشر. فعليه أن يتفطّن لهرائه لمّا يهاجم رشاد بأمور لا يمكن اعتبارها حججًا. يقول أيضًا أنّ رشاد تروّج لأطروحة “مَن يقتل مَن؟” وأننا نقول أنّ الجيش كان يقتل أبرياء وأنّ الذين حملوا السلاح كانوا يتجوّلون في الجبال للتمتّع بالطبيعة. لا كانت هناك حرب في الجزائر يا سي بن سعادة. كانت حربًا فضيعة ورهيبة. كان هناك ضحايا لدى كلّ الأطراف. ولك الحق الكامل في المطالبة بالحقيقة والعدالة بخصوص أخيك الذي قُتل مجنّد يقوم بالخدمة الوطنية. لا أحد يقبل ذلك. إنه شابّ راح ضحية الحرب، وهناك الآلاف مثل حالته. ومن جهة أخرى يا سي بن سعادة، هل تعلم أن هناك مفقودين تمّ تدميرهم من طرف بعض أصدقائك، وسأريك من هم. لأنّ سي بن سعادة يظهر نفسه في التلفزيون الجزائري رفقة أشخاص أقلّ ما يُقال بشأنهم أنه يمثّلون إشكالًا كبيرًا. بن سعادة كان مؤخّرًا في ندوة من تنظيم المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة الذي يديره الجنرال عبد العزيز مجاهد الذي كان له دورٌ واضح في التسعينيات. من المفترض أن بن سعادة يعلم ذلك. عليه أن يطلب من عبد العزيز مجاهد أن يمدّه بمعطيات وأن يسأله عمّا قال بشأنه أحد مرؤوسيه آنذاك، الملازم حبيب سواعدية. يجب قراءة ما كتبه حبيب سواعدية عن مجاهد. لن أنقل إليك ما كتبه. اذهب وابحث بنفسك فأنت تعرف تبحث. إذن اكنسوا أمام أبوابكم من فضلكم.
في ما يخص الحراك نحن مطمئنون. لماذا؟ لأنّ هذه العصابة المستمرّة في القمع فقدت السيطرة. لم تبق لهم حجّة، وهم يقتربون من نهايتهم. إنهم يمثّلون الفشل، يمثّلون الانحطاط، يمثّلون الخداع، ويمثّلون إلى حدّ ما الجريمة، وهم يعلمون أنّ نهايتهم اقتربت لأنّ هذه الثورة السلمية الموحّدة التي تُسمى حراك الشعب الجزائري ستطرد في النهاية كلّ هذه العصابة من أجل تشييد دولة القانون، دولة ديمقراطية جزائرية تضمن الكرامة والأمن والرفاهية لكل المواطنين والمواطنات بلا إقصاء.