وحدة الدراسات

الرد الشافي على دعاة المسار الدستوري

إنّ قيادة أركان الجيش متمسّكة حتى الآن بمسار دستوري يقتضي تنظيم انتخابات رئاسية في 4 يوليو.

أمّا الحراك الشعبي فيقترح بدله إعفاء بن صالح وتنصيب رئاسة جماعية تشكّل حكومة إنقاذ وطني وتُنظِّم حوارًا وطنيًا يحدد كيفية مراجعة الدستور وإجراء الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية.

هناك ستة ردود على أطروحة ضرورة التمسّك بالمسار الدستوري التي يدافع عنها أتباع قيادة أركان الجيش.

1: «صدّق ما تسمعه وضع جانبًا ما تراه»

يبدو تمسّك قائد الأركان بالإطار الدستوري وكأنه تمويه – يخفي إرادة للالتفاف على مطالب الشعب – أكثر منه احترام الدستور.

معروف أنّ الدستور الحالي انتُهِك مرات عديدة من قِبل العصابات المدنية والعسكرية المتحكّمة في النظام. والقايد صالح يخطب أسبوعيًا وكأنه رئيس الدولة ويخوض في الشأن السياسي ويأمر القضاة، في انتهاك سافر للدستور.

هذا التناقض بين الادّعاء بالتمسّك بالدستور وانتهاكه عمليًا يشير إلى وجود نوايا سيئة مخفيّة.

2: هدف المسار الدستوري هو استنساخ العصابة

الرئيس بن صالح وحكومة بدوي ورئيس المجلس الدستوري هم من فلول “العصابة”، حسب مصطلح القايد صالح، وهم الذين يخوّل لهم الدستور صلاحية تنظيم الانتخابات الرئاسية في غضون 90 يومًا.

هل يمكن لعصابة غارقة في الفساد ومتمرّسة في تزوير الانتخابات أن تنظّم تصويتًا حرًا ونزيهًا؟

إنّ نتيجة أيّ تصويت تنظّمه هذه الفلول هي حتمًا بعث واستنساخ للعصابة.

3: ليس الدستور نصًا مقدسًا

ليس الدستور نصًا مقدسًا، فهو نصّ يعكس خيارات سياسية خاصة بالذين صاغوه في الماضي، فمثلًا معروف أنّ الدستور الحالي لا يضمن الفصل بين السلطات وتوازنها، وخاصة استقلالية العدالة، تماشيًا مع رغبة بوتفليقة في سلطة رئاسية ملكيّة.

والدستور هو مجرّد آراء سياسية لصانعي القرار حين صياغته، غير أنه يكسب بمرور الوقت مكانة أو هالة تجعله يعلو فوق السياسة في منظور السياسيين والقضاة والجمهور.

وإذا تقرّر هذا، فإنّ إرغام الجزائريين على قبول مسار سياسي في إطار الدستور يرجع إلى تقييد آفاقهم السياسية بالعوائق السياسية التابعة للنظام الذي صاغه والذي يبغضونه.

4: الدستور هو تعبير عن سلطة الشعب التأسيسية

ليس الدستور بناءً قانونيا بحتًا بل هو جزء من مشروع سياسي.

والدستور هو تعبير عن السلطة التأسيسية للشعب، يمنحه الحقّ غير القابل للتصرّف في إعادة إنشاء الإطار المؤسسي الذي يحكمه.

والسلطة التأسيسية هي سلطة صياغة أو تعديل الدستور. وإذا كانت الحكومة سلطة مؤسّسة، فإنّ الشعب يتمتّع بالسلطة التأسيسية. فالحكومة تخضع للدستور، بينما الشعب ليس مطالبًا بالخضوع له: فـ”إرادته دائمًا قانونية، إنها القانون نفسه”، كما قال سييس.

5: دروس التحوّلات الديموقراطية وتجاوز المسار الدستوري

نعلم أنّ حوالي ثلثي البلدان التي تبنّت الديمقراطية منذ الحرب العالمية الثانية قد فعلت ذلك بموجب دساتير وضعها النظام السلطوي المخلوع.

وما تبيّنه دراسات هذه التحوّلات هو أنّ الأدوات الدستورية يتمّ التلاعب بها من قِبل النخب الاستبدادية المُزاحة لتوزيع السلطة والامتيازات لصالحها، وذلك من خلال تصميم النظام الانتخابي، والتعيينات التشريعية، والفيدرالية، وقوانين العفو الشامل، ودور الجيش في السياسة، وهندسة المحاكم الدستورية.

الشعب الجزائري يتطلّع إلى دستور يقنّن دولة مدنية سلطاتها منفصلة ومتوازنة، تضمن الحريات والانتخابات النزيهة والعدالة الاجتماعية، وتتحكّم ديمقراطيًا في الجيش وقوى الأمن، ولا حاجة له من دستور قنّن سلوكًا وثقافةً سياسيةً سلطويةً لبقايا جيل منقرض من السياسيين.

6: التزام بالدستورية أم مناورة بالدستورية؟

إنّ الجزائر ليست في تجربتها الأولى في التحوّل الديمقراطي. لقد عاشت الجزائر انتقالًا ديمقراطيًا ما بين عامي 1989 و1992. وفي يناير 1992، تجاهل الجيش الشرعية الدستورية، فانقلب على رئيس منتخب، وحلّ البرلمان، وألغى أوّل انتخاب تشريعي حرّ في تاريخ البلاد، ثمّ قام بتبديل هذه المؤسسات برئاسة جماعية (اللجنة العليا للدولة – Haut Comité d’Etat) وجمعية تشريعية (المجلس الاستشاري الوطني– Conseil Consultatif National). إذن سبق للجيش بالأمس إنشاء رئاسة جماعية ومجلس استشاري خارج إطار الدستور، وضدّ الشرعية الشعبية، فلماذا تعارض اليوم قيادة الأركان رئاسة جماعية ومؤسسات انتقالية تتمتّع بشرعية شعبية واسعة؟

الرد الشافي على دعاة المسار الدستوري

Gepostet von ‎Mouvement Rachad – حركة رشاد‎ am Sonntag, 19. Mai 2019