مقالات

عودة الاختطاف مع الحراك

بقلم د. رشيد زياني عضو المجلس الوطني لحركة رشاد

اختُطِف الشابُ وغابت آثاره طيلة 18 يوما، ليظهر بعد صمت رهيب ومرعب…في سجن البليدة بعد اختفاء قسري وغياب كافة الضمانات الواجب توفرها عند اعتقال أي متهم. هل نتحدث هنا عن حالة اختطاف تعود لسنوات الدم والقهر في تسعينيات القرن المنصرم؟ كلا، الواقعة حديثة، وتتعلق بالمواطن عبد الحميد بوزيزة، من ولاية تلمسان. هل هي الوحيدة؟ بالتأكيد لا، وربما حدثت مع الكثير غيره، دون أن نعلم عنهم شيئا، لسبب بسيط، وهو أن الاختطاف يتم في جنح الليل ولا يسمع به أحد، مما يجعله ضمن الأعمال خارجة القانون.

السؤال الأول، أين كان بوزيزة طيلة الأيام الثمانية عشر، التي غابت فيه كل آثاره، أي منذ الساعة الأولى، من يوم 19 أكتوبر2022، عندما اقتحمت عناصر من فرقة البحث والتحري والدرك الوطني منزله في حي الصفصاف شتوان بتلمسان، وألقت عليه القبض ثم اقتادته إلى وجهة مجهولة؟

تفيد أسرته بأن شقيقه ذهب للبحث عنه في مركز الأمن الولائي بتلمسان، لكنه لم يجده هناك وأخبروه بأنه جرى تحويله للعاصمة في اليوم التالي 20 أكتوبر 2022، كما جرى الاستفسار عنه لدى محكمة تلمسان من طرف المحامين، غير أنهم لم يجدوا له أثرًا. وفي العاصمة أيضا ذهب المحامون للبحث عنه عبر المحاكم، لكنهم لم يجدوا له أثرًا ولم يعثروا على ملف بشأنه، ومنذ ذلك اليوم انقطعت أخباره، حتى عائلته لم تتلق أي اتصال من طرفه.

سؤال آخر، ألا يفرض القانون على الجهات التي تنفذ عمليات اعتقال او استجواب، أن تبلغ الأسرة بمكان حجز “المتهم” ومعرفة الجهة وراء الاعتقال، والوجهة التي تم اقتياده إليها، مع ضمانة حق زيارة أهله ومحاميه؟ إذا غابت هذه العناصر القانونية، لم تعد القضية تتعلق بعملية قبض او اعتقال شرعي، بل أصبحت قضية تجتمع فيها كافة أركان الاختفاء القسري (الاسم الآخر للاختطاف)، ولا يمكن وصف الجهة التي تقف وراءها، بأنها جهة حكومية مسؤولة، معروفة العنوان، بل مثل هذا التصرف، لا تقوم به سوى عصابات المافيا، مع التذكير بأن الاختفاء القسري يُعد بحسب القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية. ثم لنسأل أنفسنا، ماذا لو لم يشع خبر اختطافه ولم تنقل منصات التواصل الاجتماعي (ولا أقول وسائل الإعلام الراضخة والعميلة للأجهزة المختطفة)، بنشر الواقعة ودق ناقوس الخطر، وارتفاع أصوات المواطنين والمنظمات، المطالبة بضرورة معرفة مكان تواجد المختطف ومصيره؟ يمكننا القول، دون مبالغة أو تهويل، بناء على تجارب مرة سابقة، أن مصيره كان ربما، مماثل لمصير آلاف المختطفين، الذين لا زالوا في عداد المفقودين إلى يومنا هذا بعد قرابة ثلاثة عقود من تاريخ اختطافهم، مع العلم أن هناك أكثر من ثلاثة آلاف حالة مطروحة أمام فريق العمل المعني بالاختفاء القسري التابع للأمم المتحدة.

اختطاف الشاب بوزيزة، يؤكد مرة أخرى، أن عدم تسليط الضوء على ممارسات الاعتقال التعسفي والاختطاف والتعذيب والقتل خارج القانون، هو السبب في استمرار هذه الممارسات من قبل مقترفيها الذين لا زالوا ينعمون بالحرية والإفلات من العقاب والشعور باليد الطليقة لتكرار صنيعهم، ويذكرنا أيضا بآلاف المواطنين الذين كانوا يختطفون من الشارع ومن أماكن عملهم وبيتوهم، وتختفي كل أثارهم، والقليل من المحظوظين منهم، من بقي على قيد الحياة بعد تعذيب لأسابيع وأشهر، يقدمون إلى المحاكم، التي لا تكلف نفسها السؤال أين كانوا قبل تسليمهم إليها، وتكتفي بتسجيل تاريخ اعتقالهم في اليوم الذي سلموا فيه المُختطَف، وكأنه لم يكن موجودا “على الأرض”، بل مجرد شبحا، طلية مدة اختطافه، التي تتراوح بين أسبوعين وعدة أشهر، كانوا يقضونها تحت التعذيب في مراكز تابعة للقطاعات العسكرية أو أماكن تحت الأرض للشرطة والدرك أو حتى فيلات مجهولة. ونفس الممارسة تتكرر مع بوزيزة وغيره، أي أنه قضى أيام كاملة شبحا “في عالم مجهول”.

ذنب الشاب بوزيزة و”جريمته” التي كلفته هذا المصير، أنه حراكي يكتب حول المعتقلين، أي يمارس حقا مشروعا في النضال السلمي والتعبير. وبشأن هذه الممارسات التعسفية، يقول الأستاذ مصطفى بوشاشي، “إنها متابعات سياسية بحتة، ليس فيها رائحة القانون، يقوم بها النظام السياسي، ويريد بها سرقة حلم الجزائريين في تغيير حقيقي، تغيير ديموقراطي، وبعد أن عجز في تحقيق ذلك باستعمال القانون السائد، الخاص بالتجمهر، قام لترهيب الناس بوضع قانون في جوان 2021 فيما يسمى بالأعمال الإرهابية، من خلال التعديل الذي مس المادة 87 مكرر، فأصبح كل من يشارك في الحراك، وخاصة الناشطين في المدن الكبرى داخل الجزائر، مشملين في قوائم، تترصدهم الأجهزة الأمنية، فتقوم باعتقالهم وصناعة ملفات لهم”.

اختطاف بوزيزة يدخل في هذا الإطار تحديدا، وكان من المرجح جدا، لو قدر انه لم يشاع خبر اختطافه، وسكوت أهله تحت الترهيب والقهر، أن يقضي تحت التعذيب، كما جرى للعشرات غيره، الذين لم يسعفهم الحظ بنشر أخبارهم، ولم يكن من المستبعد أن يلقى بجثته على قارعة الطريق أو في عرض البحر، ليصنف إما ضمن ضحايا جماعة اشرار أو ضحية البحر من الحراقة، كما كان يفعل من قبل بضحايا التعذيب الذين لقوا حتفهم، وتم رميهم في شوارع المدن والقرى، ثم “تخبرنا” ماكينتهم الإعلامية “الوطنية” بأنه تم القضاء على إرهابيين في اشتباكات مع قوى الأمن الباسلة.

د. رشيد زياني شريف | عضو المجلس الوطني لحركة رشاد