مقالات

الجزائر، صراعات خافتة في قلب دوائر السلطة

30 أفريل 2023

بكلمات خافتة، تتواصل الخلافات المثيرة للجدل في الجزائر، بين قطبين، الجيش والرئاسة. وفي قلب الخلاف الدائر، تبرز مسألة التجديد لولاية عبد المجيد تبون عام 2024. لم يتم الحسم بعدُ في أي شيء، ومع ذلك، دفع الصحفي إحسان القاضي ثمن هذا الخلاف، وكان الضحية غير المباشرة لهذه المواجهة.

في 17 ديسمبر 2022، برزت مقالة، في الجزائر العاصمة، من توقيع الصحفي إحسان القاضي، يعيد Orient XXI  نشرها لأهميتها الباغة، خاصة وأنها تعكس ما ينتاب الجنرالات الجزائريين من شكوك وريب بشأن ما إذا كان من الصواب اتخاذ قرار حالا دون تأخير لصالح ولاية ثانية لرئيس الجمهورية الحالي عبد المجيد تبون. من جهته باشر هذا الأخير حملة انتخابية سرية لا تفصح عن نفسها. قبل عامين من موعد الانتخابات الرئاسية المرتق إجرائها مبدئيًا في ديسمبر 2024، لم يحن الوقت بعدُ للإفصاح في الأمر، وليس من الحكمة التصريح مبكرا، بموقف لصالحه، خشية أن نجد أنفسنا قد وقعنا في فخ، هذا ما يفكر فيه على ما يبدو هؤلاء الجنرالات في قرار أنفسهم ويقولونه بشكل من لأشكال.

ستة أيام بعد نشر المقالة، تم القبض على الصحفي، رئيس آخر مجموعة صحفية مستقلة في الجزائر، تم اقتياده في منتصف الليل الى السجن، مع تفتيش مقرات الصحيفة وطرد موظفيه البالغ عددهم 25 من أماكن عملهم. وبذلك يلتحق قاضي إحسان بحوالي 300 سجين سياسي في البلاد وفقًا لمنظمات حقوق الإنسان. وبعد ثلاثة أشهر، صدر الحكم عليه بالسجن خمس سنوات، اثنان منها مع وقف التنفيذ بتهمة “أعمال من شأنها تقويض الأمن وسير العمل الطبيعي للمؤسسات“. سرعة إصدار “الحكم” وشدة العقوبة المسلطة عليه، تعكس مدى التوّتر والإحراج الذي يشعر به تبون الذي تحركه أسبابه (الخاطئة) للانتقام من الصحفي.

السؤال لمطروح، بأي منطق وكيف يمكن لمقال صحفي أن يهدد “الأمن” (الوطني) ويعطل “السير الطبيعي لعمل مؤسسات” الجمهورية الجزائرية الديمقراطية والشعبية؟ بالطبع لا يوجد أي مبرر، إلا إذا كان نشر المقالة قد تم في مرحلة توّتر شديد بين مؤسستين كبيرتين، الرئاسة والجيش.

نظام حكم، ثلاث ركائز

منذ الاستقلال، اعتمد النظام الجزائري على ركيزة ثلاثية: رئاسة الجمهورية تتحمل، بشكل ظاهري، التعبير العلني وفقًا للقاعدة السرية الموروثة عن حرب التحرير ضد الفرنسيين قبل أكثر من ستين عامًا؛ الجيش الوطني الشعبي (ANP) يضمن أمن البلاد في شوارع الجزائر وعلى حدود البلاد. وأخيرًا، ما يسمى بمصالح “الأمن” أو الاستخبارات أو التوثيق، المسؤولة من بين أمور أخرى، عن مراقبة المواطنين ومراقبة موظفي النظام. هذه الركيزة الثالثة تشكل عين النظام ويزيد تأثيرها أو ينقص اعتمادًا على ما إذا كانت موحَّدة تحت قاعدة واحدة أو مبعثرة في قطاعات مستقلة ومتنافسة. وبحسب الفترة الزمنية، تفرض واحدة من هذه الركائز الثلاثة نفسها ووجهة نظرها على المؤسستين الأخريين. منذ عشر سنوات، تم إعادة توزيع أوراق النفوذ بينها على نطاق واسع.

فقدت هذه الركيزة الثلاثة اثنين من دعائمها، في البداية مع اختفاء رئيس “المصالح” (مديرية الاستعلامات والأمن DRS)، اللواء محمد مدين المعروف باسم توفيق، في عام 2015، بتقاعده من منصب احتله لمدة ربع قرن. تم تفكيك إمبراطورتيه وفصل مساعديه وسجنه هو نفسه قبل إعادة تأهيله. وبدورها، في أبريل 2019، تم تهميش رئاسة الجمهورية، في أعقاب الاستقالة القسرية لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة. ولم يبق من الثلاثي الأول سوى القائد العسكري أحمد قايد صالح، الذي عيّن في خريف 2019 عبد المجيد تبون رئيسًا للدولة. وفجأة، بعد أربعة أيام من تنصيب تبون رئيسا، يتوفى الجنرال والحامي في ظروف غامضة، ليخلفه جنرال آخر، سعيد شنقريحة، الذي يتعيّن على الرئيس الجديد التنسيق معه على مر الأيام.

نصف دزينة من صناع القرار للرئاسة

نفس قواعد اللعبة السائدة في انتخابات 2019 ستنطبق مرة أخرى على انتخابات 2024: صناع القرار سيختارون مرشحًا، يُطرح على مجموعات هزيلة من الناخبين للمصادقة عليه تلقائيا ودون تردد. وبالتالي، فإن الخطوة الحاسمة ليست هي الانتخابات من قبل الشعب – المضمونة حتى قبل إجراء الانتخابات – ولكن تكمن في اختيار المرشح (من قبل صناع القرار) الذي سيتم انتخابه دون صعوبة تذكر عن طريق الاقتراع العام الذي تتحكم فيه الأجهزة الأمنية (المخابرات). لا يتعدى عدد صُنّاع القرار نصف دزينة، وعلى رأسهم رئيس الأركان الفريق سعيد شنقريحة، إلى جانب رؤساء أهم الجهات العسكرية في غرب البلاد، وقائد القوات البرية، وقائد الدرك الوطني الذي يراقب كافة التراب الوطني.

مما يزيد من حساسية توقيت مقال إحسان القاضي، الذي تزامن مع فترة يتم الاستعداد فيها للانتخابات المقبلة، أن حصيلة رئاسة تبون الكسولة، لا تشجع على لإطلاق “ناخبيه الكبار” العسكريين ولا تحمسهم على التجديد له. على الصعيد الدبلوماسي، المجال الذي يوليه ناخبوه العسكريون، بالغ الأهمية، قد خسر تبون دعم إسبانيا في نزاع الصحراء الغربية، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وبسبب جموده ساعد على وصول الإسرائيليين على حدوده الغربية من البلاد، إلى جانب ذلك يقيم علاقات صدامية مضطربة، مع إيمانويل ماكرون، هي خلافات شخصية أكثر منها ثنائية بين الجزائر وفرنسا. لقد تسببت الموجة العارمة المناهضة لماكرون في فرنسا، فضلاً عن الدوافع الخفية بلا شك في الجزائر العاصمة بشأن حظوظه السياسية قبل 18 شهرًا من الانتخابات الرئاسية، في تأجيل زيارة تبون إلى باريس.

في القمة الأخيرة لجامعة الدول العربية التي عُقدت في الجزائر العاصمة في نوفمبر2022، أجهِضت محاولة إعادة إدماج سوريا في الجامعة، بالفيتو السعودي النهائي، في غياب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أضحى يتجاهل بشكل علني الجزائر منذ ذلك الحين. بالإضافة إلى ذلك، لم يحضر تبون، وهو شخصية غير معروفة دوليًا، مؤتمرين دوليين، أحدهما قمة الاتحاد الأفريقي مع الاتحاد الأوروبي (فبراير 2022)، والآخر من نفس الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة (ديسمبر 2022) وخسر بذلك فرصتين لإعادة روابطه مع نظرائه.

أصبح واضحا، أنه يكاد لا يجد أي مساعدة من حاشيته: بالنسبة لمدير مكتبه حتى مارس الماضي، عبد العزيز خلف، 79 عامًا، فقد كان في حالة صحية متدهورة، أما مستشاره للشؤون الخارجية، عبد الحفيظ علاهم، النائب السابق الذي لعب معه الرئيس المستقبلي (تبون) الورق في جلسات ما بعد الظهر خلال فترة كان مغضوب عليه، لقد تم إيفاده مؤخرًا سفيراً إلى بودابست بعد أن أمضى معظم وقته في تحفيز أنصار نادي كرة القدم، بطل الجزائر، شباب رياضي بلوزداد (CRB) الذي يسيره أحد أقاربه، للإشادة برئيسه. ومع رئيس ديوان مكتبه الجديد محمد ندير العرباوي، الدبلوماسي الذي مثل بلاده في الأمم المتحدة في نيويورك، يرتقب أن يسيّر الفريق الرئاسي الشاب، في مايو ويونيو 2023 زيارتين محفوفتين بالمخاطر من قبل الرئيس، إلى روسيا في فرنسا، بلدين في صراع شبه مفتوح حول أوكرانيا.

حصية زهيدة لغاية

على المستوى المحلي، ساهمت الحرب في أوكرانيا في إنقاذ الاقتصاد الجزائري من الركود من خلال مضاعفة سعر المحروقات، التي تشكل صادراتها الوحيدة تقريبا: ارتفع سعر البرميل من 42 دولارًا (38 يورو) في عام 2020، إلى أكثر من 100 دولار (91 يورو) في عام 2022. بفضل ما جنته خزينة الدولة، عن طريق شركة سوناطراك في عام 2022، أي 60 مليار دولار (54.51 مليار يورو)، يمكن للرئيس تبون أن يأمل في الوفاء بالوعود التي قطعها، خاصة بزيادة 40٪ على مدى ثلاث سنوات (2022-2024) في دخل 2.9 مليون موظف حكومي و3 ملايين متقاعد بحلول ذلك الوقت، الثلثين منهم قد التهمهم التضخم (أكثر من 9٪ سنويًا).

بالمقابل يشهد إنتاج النفط ركودًا غير مسبوق، بلغ أحد أسوأ مستواه منذ عقد، إلى جانب ذلك، يرتقب ووفقًا للبنك الدولي، ألا تتجاوز نسبة نمو الاقتصاد 2 ٪ هذا العام، وهو ما يعادل بالكاد النمو السكاني، ناهيك عن الوعود غير الواقعية التي قدمها بمنح مخصصات إلى مليوني شخص عاطل عن العمل من أصحاب الشهادات الذين تضيق بهم مكاتب البريد على حساب المتقاعدين. من منظور التقارين، مقر وزارة الدفاع، أصبح من الضرورة الملحة، أكثر من أي وقت مضى، الانتظار قبل تجديد ولاية تبون لعهدة ثانية، مثلما أشار إليه المقال الشجاع الذي كتبه إحسان القاضي.

في أوائل أفريل، عاد الجدل الدائر بهذا الشأن إلى الساحة. في مقابلة مع تلفزيون الجزيرة القطري، قال تبون إن أمن البلاد يقوم أولاً وقبل كل شيء على اقتصاد قوي. فجاء رد الجيش سريعا، عبر مقالة من مجلة الجيش الشهرية في عدد أبريل، تقول فيها، في هذا العالم الغامض والمتقلب، فإن أمن الجزائر يعتمد أكثر من أي وقت مضى على الجيش. هل فحوى ذلك معناه أنه لن يكون هناك ولاية ثانية لتبون؟ من السابق لأوانه الإجابة على هذا السؤال، وهذا قد يفترض أن عدد صانعي القرار، الذين أصبح عددهم جد منحصر، قد اتفقوا على اسم الخليفة. في الماضي، فاز عبد العزيز بوتفليقة بثلاث ولايات رئاسية، لأن الأطراف المشكلة للحكم الفعلي، لم تتمكن من الاتفاق على اسم بديل، لكن لم يصاب آنذاك أي صحفي برصاصة طائشة.

جان بيار سيريني

صحفي، مدير سابق لـ Le Nouvel Économiste ورئيس تحرير سابق لـ L’Express. ألّف العديد من الأعمال حول المغرب العربي والخليج والطاقة وكبار الزعماء والجمهورية الخامسة.

المصدر – ترجمة د. رشيد زياني شريف | المجلس الوطني لحركة رشاد