مقالات

الكنز الاستراتيجي المتجدد عند الأنظمة الفاشلة

لن نذيع سرًا ولن نأتي بجديد لمّا نقول أنّ الشعوب هي أوّل وأشرس “عدو” في نظر الأنظمة اللاشرعية، وليس جديدًا أنّ أجهزة الأمن (وامتدادها القضاء) هي أقوى الأجهزة التي تستند إليها هذه الأنظمة لتكريس سلطتها في محاربة شعوبها (ولأدل على ذلك حصة الأسد المسخّرة من ميزانية الدولة، لصالح أجهزة الأمن والجيش، دون أن نكون في حرب مع أي دولة). ولا نكشف مستورًا إذا قلنا أنّ تهمة الإرهاب أصبحت السلاح المفضّل في يد هذه الأنظمة لشلّ حركة مجتمعاتها، بل واستخدام هذه التهمة حتى من قِبل أقطاب الأنظمة العسكرية لاتهام بعضها البعض، مثل تهمة إرهاب “التطرّف الإسلامي” التي وجّهها الجنرال السوداني حميدتي، ضد خصمه، الجنرال برهان. يبدو أن الجميع اهتدى إلى المفتاح السري لخوض حروبه الاستراتيجية للبقاء في السلطة!

عندنا في الجزائر، عاد النظام المتحكّم، للتلويح بالبعبع وتهديداته الوشيكة، خاصة بعد أن باغته الحراك وهزّ أركانه على نحو لم يسبق له أن جرب مثله. وقد استصدر لهذا الغرض ترسانة قانونية الهدف منها تجريم كل محاولة تغيير سياسي خارج منظومته المُستنسخة برجالها وآلياتها وممارساتها، فسنّ مواد قانونية وظّفها لحلّ كلّ المنظمات والنقابات والجمعيات التي ترفض أن تدخل في الصف، واستند إلى هذه الترسانة القانونية ليُصنّف “إرهابيًا”، كل فرد أو جماعة أو حركة، تواصل مقاومة حكم العصابة، حتى أصبح كلّ تجمع للمواطنين هو إرهاب في أعين السلطة، فجعل على رأس قائمة الإرهاب حركتي رشاد والماك.

بالنسبة لرشاد، تعلم السلطة في قرار نفسها وتقييمها، رغم ما تعلن عنه للاستهلاك الإعلامي وحملات البربغندا، أن رشاد حركة سياسية تمارس النضال السلمي من أجل التغيير، وأنها ليست حزبًا، ولا تنافس أحدًا على الحكم ولا تقدّم نفسها بديلًا لأيّ تنظيم حزبي، سواءً في السلطة أو المعارضة، مثلما هو مُبيّن في نصوصها التأسيسية وتصريحات قيادتها الرسمية، وأنها حركة مقاومة سلمية (وليست حتى معارضة، لأنّ المعارضة تفترض وجود حكم شرعي منتخب، تعارضه أطراف لا تتفق معه، وهذا غير متوفر ابتداءً)، وتعلم هذه السلطة أن رشاد تروم التغيير الجذري وتنهج سبيل اللاعنف لتحقيق هذا الهدف، في إطار ثوابت ومبادئ راسخة، منها وحدة التراب والشعب والجيش، وعدم الاستعانة بأي شكل من الأشكال بالخارج، دولًا أو جمعيات أو أفراد، ولا ترى رشاد حلًا للبلاد سوى الانتقال السياسي السلمي السلس الشفاف، وتحقيقًا لهذا الهدف تدعو إلى التفاف الشعب حول أرضية مشتركة لا تقصي أحدًا، بما في ذلك السلطة القائمة، بعيدًا عن الأحكام المسبقة أو التهم المعلّبة أو أيّ ما من شأنه أن يحول دون استماع الجزائريين إلى بعضهم البعض، لبلورة حلّ جامع شامل يقوم على المبادئ الثلاثة الآتية:

– الحوار بين فئات الشعب وحتى أقطاب الحكم الفعلي القائم والنقاش يجب أن يكون شفافًا مفتوحًا وليس في الكواليس أو وراء الأبواب المغلقة؛

– ضرورة مشاركة كافة فئات الشعب بمختلف توجهاتها السياسية والأيديولوجية، دون إقصاء طرف، أو هيمنة طرف آخر؛

– البند الأساسي الوحيد، على رأس جدول النقاش، يجب أن يكون الانتقال السلمي للسلطة، من نظام مستبد، إلى نظام ديموقراطي، يقوم على سيادة الشعب، استنادًا إلى المادتين 7 و8، أي التفسير العملي لمبدأ “الشعب هو مصدر السلطة”.

لماذا تطويق رشاد ورميها بكل التهم؟

ولأن رشاد ترفض المشاركة في ولائم السلطة وفي خيانة رسالتها المبيّنة في قوانينها الأساسية، وعلى رأسها، المساهمة في التغيير الجذري من أجل بناء دولة القانون بطرق سلمية، منذ نشأتها قبل 17 سنة، فقد زاد استهدافها من قِبل العصابة، خاصة بسبب ما تقوم به في أداء رسالتها المتمثّلة في:

– تفكيك خطاب العصابة ومخططها؛

– كشف حقيقة ركائز النظام والدائرين في فلكه، بالأدلة الموثّقة، التي أثبتتها قضايا فساد وإجرام نتج عنه سجن العشرات من كبار المسؤولين الفاسدين المفسدين، مدنيين وعسكريين، تحت ضغط عشرات الأسابيع من الحراك؛

– تقديمها الدليل على أن منظومة الحكم منذ صائفة 62، هي في المواقع مسلسل نِتاج عهدة واحدة متجددة، وبطبيعتها غير قابلة للإصلاح؛

– تحديد مكمن الخطر في استدامة هذه المنظومة؛

– اقتراحها سبيل العلاج، الذي يفوق قدرة أي طرف لوحده ويتطلّب تظافر جهود الجميع.

إنّ مبادئ رشاد ونشاطها المعروف لدى الجميع، وقوانينها الأساسية المنشورة، تفنّد بوضوح مزاعم وتهم العصابة وتنسف ما أطلقته عليها من تهمة الإرهاب، ولو كان لهذه السلطة مثقال عُشر من الأدلة على ما تدّعيه بحق الحركة، لما توانت عن ذلك ولو لحظة، ولوَجدتْ استجابة من العواصم التي يتواجد بها قياداتها، طيلة عشرات السنين، دون أن يسجل ضدهم أي انتهاك للقوانين، ناهيك عن ممارسة الإرهاب التي تحاول العصابة وصفهم به.

أما بالنسبة للماك، وبصرف النظر عن رأينا وموقفنا من هذه لحركة، فمن جملة الأهداف التي سعت إليها السلطة في تصنيفها حركة إرهابية، يمكن الإشارة إلى:

– التجريم ليس موّجه إلى الحركة بذاتها، لأنها حركة معرف عنها أنها أقلية لا تحظى بأي اعتراف وسط منقطة القبائل نفسها، ولا تمثلها بأي حال من الأحوال؛

– هذه الحركة، لا تعتبر نفسها أصلًا معنية بشؤون الجزائر كدولة، لأنها تطالب بالاستقلال عنها وتشكيل حكومة خاصة بها؛

– ولا تعترف بالحراك ولا تعتبر نفسها معنية بمطالبه ولا تشارك فيه أصلًا؛

– وإلى جانب ذلك، الحركة موجودة منذ عقود بنفس المطالب، ومع ذلك لم تتعرّض لأيّ مضايقات، ولم يتمّ متابعة أفرادها وقادتها قضائيًا، ولم يُمنعوا من دخول الوطن، ولم تُتّهم يومًا بأنها إرهابية، ومن ثمّ استهدافها اليوم وشملها ضمن الحركات الإرهابية، يعود بالأساس إلى محاولة التغليط والتضليل لاتهام المنطقة برمتها، كونها جزءًا أصيلًا من الحراك ومن مطالب التغيير الجذري سلميًا، ومستعصية على التدجين؛

– والهدف أيضًا محاولة دقّ أسفين بين فئات المجتمع وإحياء فتنة “عربي/قبايلي”، مثلما بينتها العمليات الإجرامية لحرق المنطقة وقتل جمال بن سماعيل، لإذكاء نيران الأحقاد والانتقام ودفع الجهتين إلى الاقتتال واستعمال العنف، لتبرير تدخّلها في إطار ما تزعمه من “الحفاظ على استقرار البلاد ومحاربة العنف والإرهاب”، وإخراج الحراك من السلمية التي أربكت العصابة وافقدتها صوابها وسلاحها المفضل.

إذا نُزِع حصان الإرهاب من ترسانة العصابة ومخزونها الاستراتيجي، لن تجد شيئًا تبرّر به بقاءها والتسويق لنفسها خارج البلاد، كمتراسٍ واقٍ في وجه الخطر الداهم، الذي يسمح لها بالتستر على فشلها وفسادها و… لا شرعيتها.

د. رشيد زياني شريف | المجلس الوطني لحركة رشاد