مقالات

خمس ملاحظات عن بث التلفزيون الوطني للاعتراف القسري للمدعو “أبو الدحداح”

بثت أمس اليتيمة، في وقت ذروة المشاهدة، اعترافا قسريا بالصوت والصورة لمواطن، يدعى أحسن رزقان ويلقب بـ“أبو الدحداح” حسبها، أدعى فيه أنه ينتمي إلى “مجموعة إرهابية” كانت تستهدف “اختراق الحراك الشعبي”، و”التحريض على العصيان المدني”، وصولًا إلى القيام بـ”عمل مسلح” لإسقاط النظام، و هذا “عبر أمير ديزاد”، و”]مراد[ دهينة و]محمد[ العربي زيتوت ” من حركة رشاد.

كم ضحكتُ البارحة من النكت التي علّق بها المواطنون على بث هذه المسرحية المفضوحة وإخراجها الرديء، وعلى مشتقات “دحدح” التي اخترعها الحس الفكاهي الجزائري للسخرية من المنظومة الإعلامية في جزائرهم الجديدة. كثرة الضحك تميت القلب والوعي، وأشعر بالإثم نوعًا ما هذا الصباح لأني لم أنتبه إلى الجانب الإنساني في هذه المهزلة، واليكم خمس نقاط لفتت انتباهي.

  1. الاعتراف المتلفز هو نتاج التعذيب، فيستحيل التصديق أن السيد أحسن رزقان هو الذي تطوّع ليعرّض نفسه لأفظع أشكال ذم الذات بإعلام الكرة الأرضية أنه خطط لحمل الحراك على التمرد المسلح. ما نعرفه من الدول الأخرى التي توظف الاعتراف المتلفز ) الاتحاد السوفيتي، الصين، سوريا، كوريا الشمالية( هو أنه يتم الحصول على الاعتراف المتلفز من خلال استخدام الإكراه الجسدي أو العقلي، بما في ذلك التعذيب الجسدي أو العقلي، وتعريض السجين لظروف أو معاملة لا إنسانية أو مهينة، بما في ذلك سحب الرعاية الطبية، التهديدات، التخويف و أنواع أخرى من الإكراه، بحيث يوافق السجين على الإدلاء ببيان كاذب من أجل وقف معاناته أو لمنع أنواع أشد من المعاناة. وللذين ألهاهم هذا الخبر عن قضية وليد نقيش وممارسة التعذيب من طرف البوليس السياسي فهذا الخبر هو في الحقيقة بيّنة جديدة عن ممارسة البوليس السياسي للتعذيب.
  • تقول حنا أرندت (Hannah Arendt) في تحليلها لأصول الشمولية أن “ما هو مطلوب لتحقيق الهيمنة السياسية الكاملة هو قتل الحس القضائي في الجنس البشري”. إن إجبار أيّ متهم على تجريم نفسه من خلال الإدلاء باعترافات متلفزة قبل أو خارج الإجراءات القانونية يتنافى مع أبجديات سيادة القانون. بما أن الملفت في الاعتراف المتلفز هو التلفاز، وأن الملفت في المحاكمة الاستعراضية هو الاستعراض، يقول جورج هودوس (George Hodos) أن هذا القضاء الإعلامي هو الذراع الدعائي للإرهاب السياسي. هذا ما يفسر لجوء الأنظمة الشمولية والمنظمات الإرهابية الى هذا الأسلوب الشبه القضائي في مغالبة الخصم السياسي.
  • إن دلّ الطابع الاستعراضي لاعتراف أبو الدحداح القسري على شيء فإنه يدل على أن دور الاعلام في بلدنا هو التعاون مع المخابرات والمنظمات شبه العسكرية لإنتاج وبث البرامج التي تدعم التسلط العسكراتي على الدولة والمجتمع، خلافًا لدور الاعلام الأساسي في الحفاظ على الديمقراطية في العالم المتحضر، سواء كجهة رقابية توفّر المعلومات للشعب أو كمنتدى تمثيلي لآراء المواطنين. فالإعلام في بلدنا هو سلاح للتضليل الشامل في يد المخابرات.
  • أهداف هذا النوع من الاعترافات المتلفزة معروفة: ترسيخ وتعزيز أفكار المخابرات – الواقع البديل – في المجتمع، خلق بيئة معادية وقمعية لأفكار الحراك، إضعاف معنويات الحراك، تشويه أهداف الحراك، واصطناع صراعات لا نهاية لها بين مكونات الحراك لاستنزاف طاقته وصده عن استهداف نوات العصابة. وقد تكون أيضا تبريرًا لتدابير قمعية لاحقة كما تشير إليه عدة دراسات رصدت الترابط بين الاعترافات المتلفزة )المحاكمات الاستعراضية( وجرائم دولة اقتُرفت بعدها.
  • إن بث اعتراف أبو الدحداح القسري هو أيضا محاولة بائسة لإضفاء المخابرات طابع شخصي على عدو سياسي مجرّد وهو الحراك، ومحاولة اتهامه لحمًا ودمًا في شخص بعض الفاعلين في الحراك. وأخبث من ذلك هو تأليب مكوّنات الحراك بعضها على البعض. إنّ حركة رشاد من جهتها لن تقع في الفخ، فهي تدرك أنها مكوّن من المكونات العديدة للحراك، لا أكثر ولا أقل، وأن الحراك هو وعي وطني جامع يحتضن أطياف اجتماعية وسياسية وفكرية وأيديولوجية متعددة، وهو نتاج تضحيات أجيال من المناضلين وتراكمات ترجع إلى قبيل الاستقلال، ومطالبه وأهدافه الجوهرية ترجع إلى الحركة الوطنية، ولا يختزله في أشخاص أو تنظيمات إلا خفافيش المخابرات ومجانين العظمة.

يوسف بجاوي، عضو في حركة رشاد،

18 فبراير 2021